فصل: الشاهد الثاني عشر بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن مقتل هداج وفتنة الكعوب وبيعتهم لابن أبي دبوس وما كان بعد ذلك من نكبتهم.

كان هؤلاء الكعوب قد عظمت ثروتهم واصطناعهم منذ قيامهم بأمر الأمير أبي حفص فعمروا ونموا وبطروا النعمة وكثر عيثهم وفسادهم وطال إضرارهم بالسابلة وحطمهم للجنات وانتهابهم للزرع فاضطغن لهم العامة وحقدوا عليهم سوء آثارهم ودخل رئيسهم هداج بن عبيد سنة خمس وسبعمائة إلى البلد فحضرته العيون وهمت به العامة وحضر المسجد لصلاة الجمعة فتجنوا عليه بأنه وطىء المسجد بخفيه وقال لم أنكر عليه ذلك: إني أدخل مجلس السلطان بهما فثاروا به عقب الصلاة وقتلوه وجروا شلوه في سكك المدينة فزاد عيثهم وأجلابهم على السلطان واستقدم أحمد بن أبي الليل شيخ الكعوب لذلك العهد عثمان بن أبي دبوس من مكانه بنواحي طرابلس ونصبه للأمر وأجلب به على الحضرة ونازلها وخرج إليهم الوزير أبو عبد الله بن برزيكن في العساكر فهزمهم وسار بالعساكر لتمهيد الجهات وتسكين ثائرة العرب فوفد عليه أحمد بن أبي الليل ومعه سليمان بن جامع من رجالات هوارة بعد أن راجع الطاعة وصرف ابن أبي دبوس إلى مكانه فتقبض عليهما وبعث بهما إلى الحضرة فلم يزالا معتقلين إلى أن هلك أحمد بمحبسه سنة ثمان وسبعمائة وقام بأمر الكعوب محمد بن أبي الليل ومعه حمزة ومولاهم ابنا أخيه عمر رديفين له ثم خرج الوزير بعساكره سنة سبع وسبعمائة واستوفد مولاهم ابن عمر وتقبض عليه وبعث به إلى الحضرة فاعتقل مع عمه أحمد وجاهر أخوه حمزة بالخلاف وأتبعه عليه قومه فكثر عيثهم وأضروا بالرعايا وكثرت الشكاية من العامة ولغطوا بها في الأسواق وتصايحوا ثم نفروا إلى باب القصبة يريدون الثورة فسد الباب دونهم فرموا بالحجارة وهم في تلك يعتدون ما نزل بهم من الحاجب ابن الدباغ ويطلبون شفاء صدورهم بقتله ورفع أمرهم الحاجب واستلحمهم جميعا فأبى من ذلك السلطان وأمره بملاطفتهم إلى أن مكنت بيعتهم ثم تتبع بالعقاب من تولى كبر ذلك منهم وانحسم الداء وكان ذلك في رمضان من سنة ثمان وسبعمائة واستمر العرب في غلوائهم إلى أن هلك السلطان فكان ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن انتقاض أهل الجزائر واستبداد ابن علان بها:

قد قدمنا ما كان من انتقاض الجزائر أيام المستنصر ودخول عساكر الموحدين عليهم عنوة واعتقال مشيختهم بتونس حتى أطلقوا بتونس بعد مهلكه ولما استقل الأمير أبو زكريا الأوسط بملك الثغور الغربية من بجاية وقسنطينة وكان الوالي على الجزائر ابن الحكم زمن الموحدين فبادر إلى طاعته باتفاق من مشيخة الجزائر ووفد عليه وكتب إبن أكمار بولايتها فلم يزل واليا عليهم إلة أن نشأت بنو مرين وزحفوا إلى بجاية وكان ابن أكمار قد أسن وهرم فأدركته الوفاة خلال ذلك.
وكان ابن علان من مشيخة الجزائر مختصا به متصرفا بأوامره ونواهيه ومصدرا لإمارته حصلت له بذلك الرياسة على أهل الجزائر سائر أيامه ويقال كان له معه صهر فلما وصل ابن اكمار حدثته نفسه بالاستبداد والانتزاء بالجزائر فبعث عن أهل الشوكة من نظرائه ليلة هلاك أميره وضرب أعناقهم وأصبح مناديا بالاستبداد وشغل الأمير أبو زكريا عنه بما كان من منازلة بني مرين ببجاية إلى أن هلك وبقيت في انتقاضها على الموحدين آخر الدهر إلى أن تملكها بنو عبد الواد كما يذكر إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن مهلك الأمير أبي زكريا وبيعة ابنه الأمير أبي البقاء خالد:

كان الأمير أبو زكريا قد استولى على الثغور الغربية كما قلنا واقتطعها من أعمال الحضرة وقسم الدعوة الحفصية بدولتين وكان على غاية من الحزم والتيقظ والصرامة لم يبلغها سواه وكان كثير الإشراف على وطنه والمباشرة لأعماله بنفسه وسد خلله ولم يزل على ذلك إلى أن هلك على رأس المائة السابعة وكان قد عهد بالأمر لإبنه الأمير أبي البقاء خالد سنة ثمان وتسعين وستمائة وعقد له على قسنطينة وأنزله بها فلما هلك الأمير أبو زكريا جمع الحاجب أبو القاسم بن أبي حي مشيخة الموحدين وطبقات الجند وأخذ بيعتهم للأمير أبي البقاء وطير له بالخير واستقدمه فقدم وبويع البيعة العامة وابقى ابن أبي حي على حجابته واستوزر يحيى بن أبي الأعلام وقدم على صنهاجة أبا عبد الرحمن بن يعقوب بن حلوب منهم ويسمى المزدار وقلد رياسة الموحدين أبا زكريا يحيى بن زكريا من أهل البيت الحفصي واستمر الأمر على ذلك إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن سفارة القاضي الغبريني ومقتله:

قد قدمنا ما كان من زحف بني مرين إلى بجاية بمداخلة صاحب تونس ولما ولي السلطان أبو البقاء اعتزم على المواصلة مع صاحب تونس قطعا للزبون عنه وعين للسفارة في ذلك شيخ القرابة ببابه أبا زكريا يحيى بن زكريا الحفصي ليحكم شأن المواصلة بينهما وبعث معه القاضي أبا العباس الغبريني كبير بجاية وصاحب شوارها فأدوا رسالتهم وانقلبوا إلى بجاية ووجد بطانة السلطان السبيل في الغبريني فأغروه به وأشاعوا أنه داخل صاحب الحضرة في التوثب بالسلطان وتولى كبر ذلك ظافر الكبير وذكره بحديثه وما كان منه في شأن السلطان أبي إسحق وأنه الذي أغرى بني غبرين به فاستوحش منه السلطان وتقبض عليه سنة أربع وسبعمائة ثم أغروه بقتله فقتل بمحبسه في سنته تلك وتولى قتله منصور التركي والله غالب على أمره.

.الخبر عن سفارة الحاجب بن أبي حي إلى تونس وتنكر السلطان له بعدها وعزله:

ولما ولي السلطان أبو البقاء كانت عساكر بني مرين مترددة إلى أعمال بجاية بمداخلة صاحب تونس كما ذكرناه فدوخوا نواحيها وكان ابن أبي حي مستبدا على الدولة في حجابته فضاق ذرعه بشأنهم وأهمته حال الدولة معهم ورأى أن اتصال اليد بصاحب الحضرة مما يكف عن عزمهم فعزم على مباشرة ذلك بنفسه لوثوقه من سلطانه.
فخرج من بجاية سنة خمس وسبعمائة وقدم على الحضرة رسولا عن سلطانه فاهتزت له الدولة ولقي بما يجب له ولمرسله من البر وأنزله شيخ الموحدين ومدبر الدولة أبو يحيى زكريا بن اللحياني بداره استبلاغا في تكريمه وقضى من أمر تلك الرسالة حاجة صدره وكانت بطانة الأمير أبي البقاء خلالهم وجه سلطانهم منه تهافتوا على النصح إليه والسعاية بابن أبي حي عنده.
وشمر لذلك يعقوب بن عمر وجلى فيه وتابعه عليه عبد الله الرخامي من كاتب ابن أبي حي وصديقه بما كان ابن طفيل قريبه يسخط عليه الناس ويوغر له صدورهم ببأوه وتحقيره بهم فالح له العداوة في كل جانحة وأسخطه على عبد الله الرخامي وكان صديقه ومداخله فتولى من السعاية فيه مع يعقوب بن عمر كبرها وألقى إلى السلطان أن ابن أبي حي داخل صاحب الحضرة في تمكينه من ثغور قسنطينة وبجاية بما كان على الأمير العامل بقسنطينة صهرا لابن أبي حي وهو الذي ولاه عليها فاستراب السلطان به وتنكر له بعد عوده من تونس وخشي كل منهما بادرة صاحبه ثم رغب ابن أبي حي في قضاء فرضه وتخلية سبيله إليه فأسعف وخرج من بجاية ذاهبا إلى الحج ولحق بالقبائل من ضواحي قسنطينة وبجاية فنزل عليهم وأقام بينهم مدة ثم لحق بتونس وأقام بها إلى حين مهلك السلطان أبي عصيدة وبيعة أبي بكر الشهيد وحضر دخول الأمير أبي البقاء عليه بتونس وخلص من تيار تلك الصدمة فلحق بالمشرق وقضى فرضه ثم عاد إلى المغرب ومر بأفريقية ولحق بتلمسان وأغرى أبا حمو بالحركة على بجاية فكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.